3 مارس 2011

رسالة من رشيد نيني وجواب سريع من حسن أوريد

الرسالة
صكوك الثورة  ـ27 فبراير 2011 ـ
إنه لمن المثير للدهشة حقا أن نرى أن الذين كانوا دائما في خدمة النظام أصبحوا أول من يعطي الدروس في الثورة والنضال. فإلى جانب الأستاذ محمد الساسي وعلي بوعبيد والأستاذ مصطفى الرميد، الذين نحترم مواقفهم وآراءهم رغم اختلافنا مع بعضها، نرى كيف جلس في ندوة «هل نحن أمام موجة رابعة من الديمقراطية» مؤرخ المملكة السابق السيد حسن أوريد،
 إلى جانب الملياردير كريم التازي، والملياردير والعمدة السابق لطنجة سمير عبد المولى، والملياردير نور الدين عيوش، الذي لا يخجل اليوم من الخروج في تظاهرة 20 فبراير بالدار البيضاء مع الشباب الذي يحتج على استعمال المال في السياسة من طرف أفراد من المحيط الملكي، مع العلم بأن أكبر من يستعمل السياسة في المال هو عيوش نفسه الذي اغتنى بفضل خلطه لمواقفه السياسية بصفقات الإعلانات التي تفوز بها وكالاته مع شركات «أونا».
وكم كان بليغا ذلك المواطن البيضاوي الذي نهر عيوش عندما أراد أخذ الكلمة في تظاهرة 20 فبراير بالدار البيضاء، وقال له: «وسير باركة من القوالب، نتا كتاخذ 500 مليون من عند مجلس المدينة سنويا، آش درتي لبيضاوة».
إذا كان حسن أوريد يبحث من خلال خرجاته الأخيرة لكي يرقع بكارته السياسية التي مزقها خلال مروره بدار المخزن، وفي الوقت نفسه يريد تصفية حساباته العالقة مع الهمة الذي يتهمه بالوقوف وراء إعفائه من مهمة مؤرخ المملكة، فإن نور الدين عيوش لا يفتح فمه بانتقاد المحيط الملكي حبا في الصالح العام، وإنما حرصا على نصيبه من كعكة سوق الإعلان، خصوصا بعدما أخافه دخول شركة FCإض لشراء المساحات الإشهارية، التابعة لشركة فچ.چوم التي يملكها الماجدي، سوق الإشهار في الدار البيضاء.
ولم يتنفس عيوش الصعداء إلا عندما أعلنت هذه الشركة نيتها الابتعاد عن اقتناء مساحات إشهارية في الصحف، وهو المجال الذي يعتبر عيوش أحد أباطرته الكبار.
ولهذا، فنور الدين عيوش، الذي سبق له أن استفاد من صفقة مع وزارة الداخلية على عهد إدريس جطو بقيمة مليار و100 مليون سنتيم لتنظيم حملة «2007 دابا» لتشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات والتي انتهت بتلك النسبة المخجلة التي لم تتجاوز 37 في المائة، هو آخر من يحق له أن ينتقد اليوم المؤسسات التي ظل يحلب منها الملايير كل سنة، وذلك منذ أيام المرحوم البصري الذي فوت إليه صفقة حملة «الدار البيضاء تتنظم» التي جاءت بعد أحداث 1981 بملايير محترمة، حيث اشتغل عيوش مع أول وكالة حضرية عرفتها الدار البيضاء.
إذا كان نور الدين عيوش يملك كل هذه الجرأة التي تجعله اليوم يشرب حليب السباع ويكرر مطالب سياسية، سبقه إليها آخرون يملكون على الأقل فضيلة التواضع ونظافة اليد، فعليه أن يكمل خيره ويقول للمغاربة بكم باع مؤسسة «زاكورة» للقروض الصغرى بعد أن «نشفها» لفائدة البنك الشعبي الذي تتحمل زوجته داخله المسؤولية عن مديرية التواصل.
كيف يستطيع أن يقنع المغاربة ببيعه لمؤسسة مفلسة مكنته من أخذ إعانات من الاتحاد الأوربي، وظل يمنح بواسطتها قروضا صغرى بفوائد تفوق فوائد البنوك، لبنك دون أن يتجرأ على الإفصاح عن قيمة الصفقة؟
لقد ظل آل عيوش يستفيدون لسنوات طويلة من دعم وصفقات المؤسسات العمومية والشركات التابعة للهولدينغ الملكي. واليوم، يريد الأب عيوش أن يتنكر لكل الملايير التي كدسها ويتحول إلى مواطن بسيط يحتج مع البسطاء ضد البطالة والإقصاء والتهميش واستعمال السياسة في المال، وكأنه نسي أنه كان المكلف الرسمي بالاتصال بكل الوكالات الإشهارية لكي يعطي مديريها التعليمات التي تصله حول الصحف والمجلات التي يجب إزالتها من لائحة المستفيدين من حملات الإعلانات.
وإذا كان نور الدين عيوش يريد أن ينتقل بسرعة من صف «زبائن» شركات الهولدينغ الملكي إلى صف الثوار والمعارضين، فإن زميله الملياردير كريم التازي، صاحب «ريشبوند»، استغل مروره في تلك الندوة لكي يعيد ويكرر ما قاله الأستاذ محمد الساسي وما يقوله سياسيون آخرون حول ضرورة تحلي الحاكم بالحياد الاقتصادي والسياسي، وهي مطالب منطقية أصبحت آنية أكثر من أي وقت مضى ولا أحد يطعن في شرعيتها.
المشكلة ليست في شرعية هذه الأفكار، وإنما في شرعية بعض المليارديرات الذين أصبحوا يتبنونها ويرددونها مثل الببغاوات، بينما أصبح أصحابها الحقيقيون يتفرجون مندهشين من قدرة بعض هذه الثعابين على تغيير جلدها بهذه السرعة.
وغم أن الملياردير كريم التازي حاول، خلال السنوات الأخيرة، تلميع صورته للظهور بمظهر البورجوازي اليساري الثائر، قاطعا المحيط الأطلسي بيخته الثمين في رحلة صورها وحرص على تعميم صورها على الصحف والمجلات، فإن بعض ما يقوم به على أرض الواقع يسير في الاتجاه المعاكس لأفكاره التقدمية واليسارية الثورية.
على سبيل المثال، وقبل ثلاث سنوات من اليوم، تقدم الملياردير كريم التازي ووالدته بطلب للحصول على غلاف مالي من صندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل تشييد مشروع اجتماعي اقتصادي فوق أرض في ملكية العائلة.
وفعلا، تم قبول الطلب وضخت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مبلغا قدره 500 مليون سنتيم لكريم التازي ووالدته. قبل بضعة أشهر، زارت عائلة التازي مكتب عامل المنطقة بالدار البيضاء من أجل الحصول على ترخيص بفتح المركب الاقتصادي الاجتماعي الذي تم الانتهاء من تشييده.
المشكلة أن العمالة رفضت منح الرخصة للعائلة، والسبب هو أن المجمع الاقتصادي الاجتماعي، الذي أنفقت من أجله المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 500 مليون سنتيم، لم يكن، في حقيقة الأمر، سوى «قيسارية» من عشرين محلا تجاريا تنوي عائلة التازي بيعها وتحصيل أموالها لحسابها الخاص، وليس توزيعها على التجار المحتاجين إلى مساعدتهم كما هي كل مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
ولأن أم كريم التازي ترفض أن تتخلى عن «المشروع»، فقد «طلعت» إلى الرباط من أجل عقد لقاء خاص مع العاملة المتصرفة لدى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. لكن محاولتها باءت بالفشل. وإلى اليوم، لازالت «القيسارية» بدون ترخيص.
يومين بعد العودة الخائبة للأم من الرباط، سيعطي ابنها كريم التازي حوارا لجريدة زميله الملياردير مولاي حفيظ العلمي ينتقد فيه، كفاعل جمعوي، أخطاء وعثرات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
هل بهذه الممارسات ستساهم البورجوازية المغربية في حل مشاكل فقراء هذا الوطن؟
هل بالمتاجرة بمآسي المحرومين والعاطلين عن العمل وساكني أحياء الصفيح سيتم القضاء على الفقر وتوزيع الثروات بشكل عادل؟
هل بتحويل مشاريع التنمية البشرية إلى مشاريع للاغتناء الشخصي سندفع بالمغرب إلى الأمام؟
هذا جزء يسير من الأسئلة التي كان يجب أن يجيب عنها الملياردير كريم التازي في ندوة «هل نحن أمام موجة رابعة من الديمقراطية»، لأن الديمقراطية الحقيقية تحتاج من أجل تحقيقها والدفاع عنها إلى طبقة بورجوازية متنورة تدافع عن مصالح الطبقات المتوسطة وتحميها من جشع الرأسماليين الذين يمصون دماء الطبقة الشغيلة في مصانع ومعامل أشباه التازي الشبيهة بعلب السردين مقابل 1500 درهم في الشهر.
على من يضحك هؤلاء المليارديرات، أمثال حسن أوريد وكريم التازي ونور الدين عيوش وسمير عبد المولى، عندما ينسلخون عن حقيقتهم ويلبسون قبعة الثوار ويغيرون البندقية من كتف إلى كتف. هل يعتقدون أن الشعب بلا ذاكرة لكي تنطلي عليه شعاراتهم الثورية التي يلوحون بها اليوم أمام النظام، بعدما كانوا من خدامه المطيعين؟
عندما يقول عمدة طنجة السابق، سمير عبد المولى، إن الذين لم يصوتوا خلال الانتخابات الأخيرة رجال، فماذا يسمي، يا ترى، أولئك الذين صوتوا لصالحه واستطاع بفضل أصواتهم أن يصل إلى منصب عمودية طنجة؟
وإذا كانت مقاطعة الانتخابات تجسيدا للرجولة، فلماذا دخل غمار هذه الانتخابات ورشح نفسه وهو يعرف مسبقا أنه سيفوز، ليس لأنه سياسي محنك ولكن لأن وزارة الداخلية ووزيرها المنتدب السابق، فؤاد عالي الهمة، سيضمنان له الفوز بكرسي عمادة عروس الشمال.
إن كثيرا من مطالب حركة الشباب والنخبة السياسية التي التحقت بها تبقى مطالبَ مشروعة ومنطقية، وتطبيقها هو الضامن الوحيد للسلم الاجتماعي في المغرب. يجب أن يكون هذا الأمر واضحا للجميع.
لكن المصيبة هي أن يتم تبني هذه المطالب من طرف أشخاص كانوا دائما جزأ من المشكلة وليس جزأ من الحل. أشخاص انتهازيون لديهم الوسائل و«الوجه» للظهور أمام الشعب بمظهر الثوريين المنقذين في هذه الظروف الصعبة التي يجتازها المغرب، حيث أصبح توزيع صكوك الثورة والنضال هواية بعض المتعطشين لأدوار البطولة المتأخرة.
رشيد نيني
الجواب 
هل تقبل أن أناديك باسمك الشخصي تحببا وتوددا أسي رشيد؟.. لقد كنت أود أن أراسلك في مسائك، وخشيت أن يكون غشيه الظلام فلا تنفذ إليه رسالتي هذه، وقد سبق أن بعثت إليك توضيحا قبل سنة ونيف ولم يجد طريقه إلى النور، أو لم يجد  النور إليه سبيلا ولفه غبش المساء.
أهنئك على «سبقك» الصحافي و«دقة» معلوماتك حول مساري المهني وثروتي، وأنا هنا أتنازل لك عن ضيعاتي في مجاط  وصفرو  جزاء وفاقا.. هي لك مبذولة خالصة تفعل بها ما تشاء.. ولو أن ثروتي أسي رشيد هي أكبر مما قدرت.. ولو شئتَ لأطلعتك على جانب منها، ومنها هزئي بحطام الدنيا، والعيش لو دفعت على «خضيرة ورقية وتميرات والخبز المورق» كأهلي من تافيلالت، غير آبه لا بالأولاد ولا المواضعات، أو أسوة بأخوالي الأمازيغ، كما قالت عنهم الشاعرة تاوكرات نايت عيسى وقد أطبق على أهلها جنود الاستعمار فآبت الاستسلام:
لو دفعتُ للطوى
لوضعت الصخر على بطني
وأكلت حبات البلوط،
أما عن دين محمد فلن أحيد.
عليه أزكى الصلاة والسلام.
والأمازيغية قيم أسي رشيد وليست «إيواليون».

هو ذا جانب من ثروتي. وقد كنت فقيرا حقا حينما كنت فقير الروح، وحينما استبدت بي الأهواء وغرني السراب. كنت فقيرا فتجرأ علي المرجفون، مما أشرت إليه من «طرد» بنعيسى لي من سفارة المملكة المغربية بواشنطن. وليتك تعرف الملابسات. هم بنعيسات أسي رشيد، وقد آنسوا فقري الروحي وضعف السند. وتلك قصة تطول... هو فقري الروحي الذي جعلني أهون. هو ذا الفقر الذي أخشاه، لا ما أشرت إليه من عجزي عن أداء كأس قهوة، أو حتى كأس «روج» في «البادية» أو «شريبان» لو أردت الإيضاح. فلست من الصنف الذين يتنكرون لماضيهم أو يخفونـه. كلا. وحتى لما بدت علي «آثار النعمة» وأخذت أرتاد المطاعم الباذخة مثل بول، حيث التقينا ذات مساء ولى، كنت فقيرا أسي رشيد  فغلبتني خفافيش الظلام. واغتنيتُ يا السي رشيد بعد فقر حينما أيقنت، مثل لبيد، أن كل شيء ما عدا الله باطل. هو ذا الغنى الحق. أما خطاياي، وهي جليلة، فأضرع إلى من رحمته وسعت كل شيء ليتجاوز عني بفضله.
ليست لي «سعة» معلوماتك عني يا السي رشيد، وما أعرفه عنك شيء واحد وحيد، ولكنه دقيق... للغاية.. يؤلمني أن تكون حاكي الصدى، بتعبير المتنبي، لجهات خفية. يؤلمني ما آليتَ إليه. أتعرف قصة فاوست في رائعة من روائع جوته؟ لقد سئم الفيلسوف فاوست الوحدة والعجز، فأغراه الشيطان ميفيستوفليس بالغانية كاترينا وبالفتوة والقوة والمال مقابل روحه. هل تعرف ما حدث للحكيم فاوست في نهاية المطاف؟ فقد روحه، ولم ينل بغيته من كاترينا إذ ولت عنه، ولا هو حظي بفترة عابرة من متعة وسراب مجد.
لن تعرف يا السي رشيد الأجهزة معرفتي بها. ولن تعرف البنية الذهنية للقيّمين عليها. فهم، يقومون بعمل لا مندوحة عنه في دواليب الدولة، وفضلا عن ذلك، فهم أشخاص يضطربون في المجتمع، لهم علائق ولهم أحاسيس ولهم رؤى، وهم إلى ذلك براغماتيون. وأخشى ما أخشى أن يتحولوا عنك وقد أضحيت عبئا. سيلقون بك كما يلقى به سقط المتاع بلا إرعاء، وأخشى يومها أن ينفض عنك صحافيو جريدتك. وها هنا أهنئك بالمناسبة على نُجحك في استقطاب خيرة الصحافيين المغاربة، وأعرف بعضا منهم، وأعرف قيمهم وأخلاقهم، وأستمتع بقراءتهم. أخشى أن ينفضوا عنك ألسي رشيد، لأن رأسمالهم هو مصداقيتهم، وهي أسمى من ضرورات العيش.. وهم يعلمون أن قلاع الزيف تتهاوى يوما عن يوم وأن الحقيقة تطاردها في عزم وإصرار وتزحف نحوها زحف النور على الظلام.
ليس يضير الحسناء أن تفتض بكارتها ألسي رشيد، بل ذلك قدرها لتفيض بالحياة وفق علاقة شرعية معلومة. وما قولك في من تتعفف عن تقديم مقدمتها إبقاء لبكارة مزعومة وتبذل مؤخرتها؟ ما رأيك، أنت صاحب النظر الحصيف، والقول الفصل والرأي السديد؟
وأنا أشاطرك الرأي أن لا أحد فوق المساءلة في ما يضطلع به من مهام، ولست فوق المساءلة، وفق شروط موضوعية ومهنية. أما الإرجاف فلا يضيرني البتة. لأن ما أدركت في مسرى حياتي هو أجل من أن تنال منه هراش الجراء (جمع جرو). وكنت في ما سلف أتأذى من ترخصات المرجفين. وجانب من ثروتي أسي رشيد هو  أني اليوم  أهزأ بالأراجيف والتقولات والترخصات وأنظر إليها وإلى أصحابها بازدراء شديد. وأنا في كل الأحوال أربأ بنفسي أن أبذل ما هو ملك للدولة من أسرار تكون موضوعا للسجال، لأني أؤمن بأخلاقيات الدولة وهيبة الدولة وحرمة مؤسساتها.
مذمتك لي يا السي رشيد شهادة. أتحفظ بعضا من شعر المتنبي؟
لك مني أزكى التحية، ودعائي لك بالخلاص من ربقة يؤذيني أن أراها عالقة في عنقك. فللصحافة علي  دين وقد آوتني وأنا مهيض الجناح صفر اليدين. وكان مما تعلمته في دار المخزن التي أعتز بأني درجت في رحابها، ما علمنا إياه نسيج وحده الحاج امحمد باحنيني رحمه الله وهو يتلو على مسامعنا بيتا لأبي نواس:
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا   من كان يألفهم في الموطن الخشن
ولم أنس دين الصحافة علي.
آه نسيت شيئا، هو أنك تجد في شعري رداءة، وأنت معذور في ذلك، فقديما قال المتنبي هذا البيت، وما أصدقه:
ومـن يـك ذا فـم مـر مريض
يجـد مـرا بـه المــاء الــــــزلالا 
حسن أوريد
2011/03/02 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق