18 فبراير 2011

لا جمهورية في قاموس الأمازيغي

لا جمهورية في قاموس الأمازيغي

أصيبت حشود الأثرياء الكبار عندنا، بهلع وجزع وهم ينظرون يومياً إلى ما جرى، في تونس،  وما يجري في مصر.. وكيف أطيح بفرعون مصر بأجهزته ومخاراته، بملاييره وأتباعه بسنده الإسرائيلي وأنصاره من أنظمة الشمع (...)
فسقط بدون انقلاب ولا رصاص ولا هجوم ليلي ولا مؤامرة، ولا بحزام ناسف. سقط كما تسقط التفاحة المتعفنة من فوق شجرتها... فسارع الكثيرون عندنا إلى تهريب أموالهم إلى الخارج، بل وفيهم من ابتعدوا من الإقامات الفخمة المتواجدة على أطراف الأحياء الفقيرة.. وفيهم من زاد هلعهم حينما ذكرهم أولادهم المثقفون، خريجي ليسي ليوطي وديكارت فقولة الفيلسوف فولتير : " إن الثورة لا مفر منها، ستنفجر يوماً وسيكون لها صخب وضجيج ".
أما أولئك الذين ليس لهم ما يخافون عليه، فلم يهلعوا ولم يفزعوا... كما لم يهلع ولم يفزع أولئك الذين لهم ارتباط عميق بالجدور التاريخية للمغرب، ومعرفة سابقة بالأسس المتينة التي يقوم عليها الكيان المغربي.
ولعل حفيد الملك المؤسس محمد الخامس، الملك الذي رضي بالإهانة في المنفى من أجل استقلال المغرب، لعل حفيده الأمير مولاي هشام، يعرف أيضاً حق المعرفة أن " التجربة التونسية إذا ما تكررت عندنا فإنها نظراً للتشعبات الإجتماعية، قد تؤدي إلى عنف أقبح، وظهور ممكن لشعبية الدهما (...)". (لونوفيل أبسرفتور 20 يناير 2011). مولاي هشام الذي يعرف أنه لو حصلت ثورة في المغرب، فإن مولعينها (...) لن يتركوا مكاناً لا لمولاي هشام ولا  لمولاي بيه (...)، كما يقولون، لذلك نراه يناشد أقطاب الأنظمة العربية أن يخرجوا من هذا التعامل الثنائي المستنبط من مذهب الفيلسوف الفارسي ماني، صاحب عقيدة الصراع بين النور والظلام "  DICHOTOMIE MANICHEENE "، من قبيل ثنائية النظام الذي يجمع مباركة وبن عليه (...) الملايير ويرتبها في الأبناك الأوربية، وفي نفس الوقت يلقون خطباً كلها تقديس للشعب وكشوف ينجزونه وَرَقَيّاً (...) لفائدته. وعلى هامش تأكيد الأمير لواقع المغرب " مقارنة مع الشعب التونسي فإنه يختلف اختلافاً واسعاً، لأن جماهير المغرب متنوعة الأصول، وتجذره التاريخي أكثر عمقاً، والتنوعية الإجتماعية أكبر اتساعاً ". (البايس الإسبانية 2011.02.02).
يكاد الأمير المبعد (...) يلتقي مع أفكار الزعيم الأمازيغي (...) المحجوبي أحرضان، الذي علق على موضوع الحقيقة الضائعة في الأسبوع الماضي، عن نمودج السلطان مولاي سليمان، الذي واجه الثورة الفرنسية وعانى من آثارها على القبائل المغربية، وحزب درقاوة الذي أعلن ثورته هو أيضاً تزامناً مع الثورة الفرنسية وقرر خلع السلطان. فيكمل أحرضان الحكاية... كما هي مخلدة في ضمير القبائل الأمازيغية، عندما أركب الجندي الأمازيغي السلطان المأسور عند الثوار على حصانه، وأخد لجام الحصان، وهو يغني :
أوما.. يا وما.. أخويا أخويا أوريد أكديك أينتاغ ـ لا نتناغ زويس لانين تمانك تيرست ناك يدورون
إنه لا شيء نواخدك عليه .. يا خويا ـ إلا أن في دائرتك مجموعة من الخنازير...
ولاحظوا عنف التشبيه في الشعر الأمازيغي، وصراحة الثائر الذي أنقذ السلطان من معتقله، وهو يبلغه الأسباب التي دفعت القبائل إلى الثورة عليه ولكن هذا لا يمنعه من إنقاذ أكليد (...) الذي هو كل شيء، مادام الأمازيغ منذ قرون لا يعرفون إلا الملك، ليأكد أحرضان (أن كلمة جمهورية، لا وجود لها في اللغة الأمازيغية إطلاقاً).
عجيب أحرضان الذي لازال كالجبل لا تزعزهه ريح مهما عتت، وكل الرجال العتاة لا تهزمهم مكتوبات ولا مقالات مهما غلى ثمنها.. يذكر بمناسبة سقوط الهيكل الفرعوني (...) بقصة غريبة، ترجع بعلاقته بالرئيس المخلوع حسني مبارك الذي جاء يوماً في إطار الدعم المصري للجزائر في حربها مع المغرب سنة 1963، وضبطت فرق من قبيلة أيت خباش (...) الطائرة المصرية وكتفت ضباطها وبينهم الكولونيل حسني مبارك، وجاء وزير الدفاع المحجوبي أحرضان في طائرة خاصة لمطار قصر السوق، وهو الذي أركب في طائرته الضباط المعتقلين ونقلهم إلى مراكش. ويحكي أنه في مناسبة لاحقة، ولم يكن يعرف أن المعتقل حسني مبارك سيكون رئيساً لمصر، صرح أمام الصحفيين قائلاً : " إذا كان المصريون قد تركوا أحذيتهم في سيناء بمصر، فإنهم سيخلعون سراويلهم في المغرب ".
ولكن الحكاية لم تنته، ففي يوم عاشر يوليوز 1971، وعندما هاجم ضباط أهرمومو القصر الملكي في الصخيرات وقتلوا المئات، وسط البارود والدم، سيتلقى أحرضان الدرس الذي لم ينسه إلى اليوم. كان ممدوداً على الأرض، ووجهه في التراب، كباقي المدعوين وغير بعيد منه، كان ممدوداً أيضاً واحد من أقطاب النظام الناصري، العقيد حسن فهمي عبد المجيد الذي كان سفيراً لمصر في الرباط، وجاءه الثوار المفتشون فأظهر لهم بطاقته الدبلوماسية وتركوه. وقريباً منه توجهوا عند أحرضان، وأمروه بخلع سرواله، ليكاد أحرضان أن يفقد صوابه، هو الذي قال أن المصريين سيخلعون سراويلهم في المغرب، يخلع سرواله أمام السفير المصري في الرباط، لذلك فقد أحرضان عقله فعلاً.. وقال للثوار إقتلوني إن شئتم.. ليفزعوا بجرأته. فما خلع سرواله وما قتلوه. حقاً أنه لا في مصر، ولا في تونس، تتواجد قبائل أيت مرغاد، وقبائل أيت عطا، وقبائل أيت خباش، وقبائل أيت حديدو، وكلها متراصة على طول الحدود المغربية الجزائرية، تعرف الجزائر أنه لا حظوظ لها يوماً في أن تحتل المغرب، ولو أحضرت الجيش الروسي كله، لأن فرنسا ذاقت الأمرين على أيدي هذه القبائل التي دخلت السجل المشرف للمقاومة، بنمودج موحى وحمو الزياني، والبطل الريفي عبد الكريم الخطابي، وهي الخيول التي ركبها الملك الحسن الثاني، بعد أن اضطر للإختباء في حمام بالصخيرات.. ولم ينقذه إلا ذلك الجندي الأمازيغي مثلما أنقذ سلفه السلطان مولاي سليمان، وربما لنفس السبب.. أن السلطان محاط بمن سماهم الشاعر الأمازيغي بالخنازير.. ولو كان محيط الحسن الثاني سليماً لما هاجمه تلامذة أهرمومو.. وكان منظم الهجوم على الطائرة أمقران، قد صرح أمام المحكمة العسكرية بأن الفساد السائد في البر والبحر المغربي، هو الذي دفعه لتنظيم الإنقلاب الثاني. وقال الحسن الثاني بعد ذلك عدة مرات.. إني تغيرت، وأضاف لا بد أن أتغير.
ولا بد من إنصاف النظرة البعيدة للملك الحسن الثاني والذي قبل أن يضطر (..) لتشكيل حكومة التناوب توجه بنظرة بعيدة إلى المستقبل، وقال في خطاب له : " ستعرف المنطقة المغاربية يوماً يسود فيه عدم الإستقرر السياسي، وستندلع عدة ثورات شعبية (...)، لذلك عدلت دستوري لأضمن لشعبي الإستقرر السياسي، والإقتصادي والإجتماعي، وأمسك بسفينتي لكن يقودها ولي عهدي بسهولة في وجه العواصف والأمواج ".
أما الثورات المحلية، فقد سجل فيها المغرب قصب السبق لدرجة أن لما جاء الإستعمار الفرنسي لتأمين المغرب، قسم هذا الوطن العزيز إلى قسمين : بلد المخزن وبلد السيبة. ومن نمادج السيبة المغربية، سيبة فاس التي قادها الشريف الإدريسي، المعروف باسم "بوزرواطة "، عسكري سابق ، قام بثورة تكاد تقارب الثورة التي جعلت من ميدان التحرير في القاهرة، مستقراً لها. بوزرواطة الإدريسي الفاسي اتخذ من جامع القرويين مستقراً لثورته التي طالب فيها مع جماهيره برحيل السلطان عبد العزيز. وبقي معتصماً بميدان القرويين إلى أن سقط السلطان.
أما تقريب هذه الثورة من الثورة المصرية الحديثة، فلأن وصف ثورة بوزرواطة حسب المؤرخ عبد الهادي بناني : " بدأ الناس يتطلعون لما ستسفر عنه مداولات فاس في مسجد مولاي إدريس وجامعة القرويين وقوى الهرج والمرج بعد أن زالت كل سلطة رمزية للمخزن العزيزي. ويظهر أن خلافات في الرأي قامت بين المجتمعين، فتدخل الأشراف والعلماء وأهل الحل والعقد ليواجهوا الأحداث، وكان هناك اتجاه يتزعمه محمد الكتاني والثاني يمثله إدريس الامراني وثالث يتزعمه التيار العزيزي " (كتاب داء العطب تأليف السلطان مولاي حفيظ).
الكتاني كان يمثل الثيار الإسلامي المعارض، تماماً كما حصل في ميدان التحرير بمصر، وثورة بوزرواطة كانت مصيرية في تاريخ الدولة العلوية، إذ أنها انتهت باستجابة السلطان للمطالبين بانسحابه، على الطريقة التي طالب بها المصريون رئيسهم حسني مبارك بأن ينسحب، فانسحب وسقطت دولة ثلاثين سنة من الطغيان بتصريح من خمسة كلمات، أما في ما يخصنا فنعود إلى راوي هذه القصة المغربية المشابهة لما جرى مؤخراً في القاهرة.
وينهي السلطان المؤلف، مولاي حفيظ، سرده لهذه الثورة التاريخية " وعلى كل حال كانت الغلبة للحزب الحفيظي وقرر المجتمعون الإتفاق على ضرورة إعلان عزل السلطان، الأمر الذي تم يوم الجمعة 3 يناير 1908 دون التصريح ببيعة مولاي حفيظ، ولذلك تمت خطبة الجمعة بالدعاء للخلفاء الراشدين، بدل الدعاء للسلطان " (نفس المصدر).
قيدوم الصحفيين مصطفى العلوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق