الدال على الخير كفاعلة، وصاحب الأصل الكريم لا يفعل إلا الخير ... فمن منا لم يفعل الخير يوما ما، بل جميع الأيام في حياته طبقاً لما أملاه عليه ضميره وتربيته وأخلاقه والبيئة التي عاش فيها ؟!!. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني مسجد المدينة) شهراً. ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه الطبراني وحسنه الألباني. فالشفاعة والتوسط في نفع الناس من الأمور المستحبة، وقد قال تعالى في سورة النساء : " مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ". (الله الله على عمل الخير الذي يكون خالصاً لوجه الله، ويتقبله الله من العبد). فمن صفات المؤمن عمل الخير الخالص لوجه الله وعلى الله الأجر والثواب، والذي لا ينتظر منه رداً سوى حسنة وأجراً عند الله، كما قلنا... قال أحد شعراء :
إزرع جميلاً ولو في غير موضعه ٧ فلن يضيع جميل أينما صنع
ما جعلني أثير هذا الموضوع الذي سيعتبره البعض من صغائر الأمور، هو أولاً أنني أومن بأن كل الأمور هي في الحقيقة صغائر ... ثم أنه موضوع (موضوع فعل الخير)، حيرني وقض مضجعي ومنعني منذ أسابيع، من لذيذ النوم وأتعبني من كثرة التفكير فيه ... فكرت وفكرت ... خمنت وخمنت ... قدرت وقدرت ... بحثت في محركات البحث، وفي الكتب الشرعية والعرفية وفي العادات والحالات، مئالاً وحقيقة ومجازاً ، سألت معارفي وكل من حولي من الناس كبيرهم وصغيرهم عالمهم وجاهلهم، وأجهدت نفسي في البحت عبثاً عن من عمل في خيراً في الشهور الأخيرة، بدون مقابل جازاه الله خيراً، فلم أجد ما يشفي غليلي ويهدئ من روعة ما يدور في خاطري ويجعلني أحس أنه بالفعل " عمل فيّٓ خيراً " لوجه الله، باستثناء عائلتي الصغيرة رضي الله عنها وجازاها كل خير (طبعاً لوجه الله، وارتباطاً بالأبوة وبعلاقة الرحم والدم).
لم أكن أتصور أنني سأحظى بعمل الخير، جازى الله كل من عمله فيّٓ، عمل الخير هذا لا يهم إن كان على شكل إنفاق أموال أو بذل مجهود بدني أو عقلي أو حتى بالكلام فقط، لإزالة او تخفيف الآلام والمعاناة (لا نقول المادية هنا، لأن المادة هنا هي مربط الفرس)، بل المعنوية، وإشاعة الشعور في لحظة توثر بالطمأنينة والإستقرار النفسي والإرتياح والفرح، نعم لا يهم كل هذا ولا يهم فعل الخير إن أصبح فاقد لشرعية الخير، حين تراجع الأيام، وتأتيك الأخبار بأن ما كنت تظن أنه خيراً عمل فيك، لم يكن سوى خيراً وهمياً تدخلت فيه المادة وأصبح بالمقابل !!!.
فمن المعروف أن الخير هو العمل المشروع الذي يبتغي به فاعله وجه الله تعالى، وهذا تعريف يفهمه كل المسلمين، على مختلف مستوياتهم العلمية والثقافية، بعيداً عن التعريفات المنطقية وشروطها، ولو سألت راعي غنم أمي عن تعريف فعل الخير، لقال لك : " هو الذي يُراد به وجه الله تعالى " إذاً فعمل الخير لا يبتغي به صاحبه جزاءً ولا شكوراً، قال تعالى: " إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولاشكوراً "، لكن هذا الخير عندما يصبح مقابل ثمن ما، لا يهم إن كان هذا المقابل نقداً ( وبأي طريقة مادية كيفما كان نوعها)، أو على أساس التعامل بالمقايضة أو أسلوب " الإبتزاز " أو المراوغة فإنه يتجرد من صفة الخير ويتحول الى صفة الصفقات التجارية (عندي عندك، وباي باي Bye Bye الخير الذي يدعون)، ونحن نعرف أن الأعمال التجارية شيء (نلخصها بحركة ذات مسارين : تعطي لكي تأخذ)، والأعمال الخيرية شيء آخر (نلخصها هي كذلك بحركة ذات مسار واحد : تعطي من غير أن تأخذ). مع التأكيد بشدة على أن ما يبنى على باطل لن يحمل صفة الخير حتى لو أدى الى منفعة, لأن الغاية لا تبرر الوسيلة هنا, وهذا الخير الذي يولد من رحم الباطل، لا يرجى منه شيئاً، بل هو خير فاقد للشرعية, فالحق أولاً ثم الخير. سيقول قائل لماذا أقحمت الحق هنا في عمل الخير، فالجواب بسيط وهو أن أعمال الخير تفقد صفة الخير إذا كانت على حساب الحق، حتى يعيد الحق إلى صاحبه.
هناك في قضيتي هذه أشياء لن تستطيع الحروف رسمها ولا الكلمات تصويرها، بل حتى عبقري لا يمكنه حل لغزها، سوى أبطالها فهم يعرفون كل شيء عنها، وعايشوا مسارها وعاشوا كل أطوارها كمسرحية هزلية، (فمنهم من يكره ويحقد ويبغض، طبعاً إنسان هكذا هو كريه وبغيض وحقود، وبالتالى لاننتظر منه كما من أصحاب النفوس المريضه خيراً ومعروفاً )، لذا فإنني سأتوقف عند هذا الحدّ تجنباً للإطالة لأن روح المعنى في الإيجاز، وتطبيقاً لمقولة "خير الكلام ما قلّ ودلّ. وأترك الحكم للأيام بل للزمن....
فاللھم إني وكلتُك آمري، فكن لي خير وكيل، ودبر لي آمري فإني لآ اُحسن التدبير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق