2 مارس 2011

الدرس الحقيقي في القانون لمن شب وشاب في خرقه ويكره من يحميه شخصياً

الدرس الحقيقي في القانون لمن شب وشاب في خرقه ويكره من يحميه شخصياً
لولا القانون لصدقت وتحققت مقولة الفيلسوف جاك بنين بوسويتJacques-Bénigne Bossuet " في الحياة المجتمعية :  حيث يملك الكل فعل ما يشاؤون ولا يملك أحد فعل ما يشاء، وحيث لاسيد فالكل سيد، وحيث أن الكل سيد فالكل عبيد .

ففي تنظيم الحياة في المجتمع كان لابد له من نظام يحكم العلاقات بين الناس ويفرض الأمان فيه، فقد أجمع فقهاء القانون الوضعي في تعريف القاعدة القانونية للقانون، بأنها مجموعة قواعد عامة مجردة ملزمة تنظم العلاقات بين الأشخاص في الحال والمستقبل، وتقترن بالجزاء في حال مخالفتها. أما في السياسة وعلم التشريع، فالقانون هو مجموعة قواعد التصرف التي تجيز وتحدد حدود العلاقات والحقوق بين الناس والمنظمات، والعلاقة التبادلية بين الفرد والدولة، بالإضافة إلى العقوبات لأولئك الذين لا يلتزمون بالقواعدَ المؤسسة له.
فحسب علمنا، والله أعلم، جميع الصحفيين لهم دراية بالقانون، وبالقوانين التي يجري بها عملهم. فالخبر عندهم مقدس وهو الدرس الأول إبتدائي الذي يتلقونه في معاهدهم. لكن بعضهم ينسى هذا الدرس الصغير والخطير، فيتحولون في بعض الأحيان إلى أصحاب الحل والعقد ويطلقون مداد أقلامهم لمتاهات خارجة عن القانون بصفة عامة وعن القواعد الملزمة في نشر أخبارهم خاصة دون حق قانون، إما نقلاً عن بعض الأميين أو حتى بعض الحقوقيين الصغار الذين دفعتهم الأقدار إلى ما يسمونه بالنضال، وإما أنهم ليست لديهم معارف لا  في الكتابة الصحفية ولا في القانون والقوانين، وكل ما دفعهم لامتهان هذه المهنة الشريفة والمقدسة قداسة الخبر، هي المصادفات لا غير. فبعضهم يدعي أنه مستقل وحر ومع ذلك تراه يميل ويدافع عن جهة ما، وكأنه يتكلم باسمها، والمصيبة أنه لا يدافع فقط بل يدخل على الخط بعناوين بارزة لا تتطابق مع نوعية الخبر ضارباً جميع القوانين بعرض الحائط.
ففي هذه الأيام " الثورية " تجندت بعض الأقلام لتبين لنا مدى ضعفها وجهلها بالقوانين الجاري بها العمل في بلادنا هدفها هو الدفاع عن فئة دون أخرى بطرق مشبوهة وغير ديموقراطية لتأجيج الوضع السائد ولغاية، يشوبها الضباب الذي لا محالة سيزول، وستتضح لنا مستقبلاً الرؤيا وكل النوايا المشبوهة.
لقد لاحظنا أنه وبعد أي تدخل قانوني، للقوات العمومية، لتفريق أي تجمع ومظاهرة غير قانونية، أو لحماية المواطنين وممتلكاتهم، يخرجون علينا بعض خفافيش الظلام ليكيلوا لرجال القوة العمومية سيل من الإنتقادات تذهب إلى حد التجريح والقدح فنسمع مثلاً التدخل العنيف والهمجي ووو... علماً أنه لو لم يكن هؤلاء الذين يتهمونهم بالعنف والهمجية، لما كانت عندهم الشجاعة بأن يخرجوا أصلاً ولو نهاراً كًهاراً، لقضاء بعض مآربهم الضرورية والمستعجلة. فغريب أمر بعض المنافقين عديمي الضمير الذين لا يرسون على أي حال، فعندما تراجع رجال القوة العمومية يوم 20 فبراير وطيلة المسيرة السلمية، ولم يتدخلوا، واكتفوا بالمحافظة على الأمن من بعيد، ويمكن أن نقول، أنهم بذلك شاركوا في نجاحها نسبياً، أثنوا عليهم ووصفوهم بالحضاريين وكل الصفات الجميلة، وعند تعاملهم قانونياً مع تبعات المسيرة التي لم تعد سلمية، وردعهم للمخربين تراجعوا، مساء نفس اليوم، عن موقفهم وحكموا عليهم بالعنف وبالهمجية بل، حملوهم حتى أسباب كل ما حدث !!!، وبقي الحكم ساري المفعول، خصوصاً عند تدخلهم المباشر في اليوم والأيام الموالية لوضع حد لتجمعات قليلة وغير قانونية تتكلم بلسان الملايين من المغاربة، كان غرضها لا محالة إعادة سيناريوهات ما حدث بعد المسيرة، وإلا لماذا لم ينتظروا حتى اندمال الجرح وامتصاص الغضب وإحصاء الخسائر في الأرواح والممتلكات، وتهدأ الدنيا ؟.
ما علينا لنرجع إلى بعض الأقلام الصحافية التي تجهل القانون !!!، وأقول البعض، من غير المسؤولين والذين كما قلنا يجهلون حتى درسهم الإبتدائي الذي حولوه من " الخبر مقدس والتعليق حر " إلى " الخبر غير مقدس والتعلاق حر " !!!، فأخدوا يعلقون بعض رجال القوة العمومية، لا التعليق عليهم بالحجة والقانون، لكن بالنقد الغير البناء والسخرية السخيفة.
فلنأخذ مثلاً التدخل القانوني لرجال القوة العمومية لتفريق تظاهرة لما سمي بشباب 20 فبراير بمدينة أكادير، ونتحداهم بالمناسبة، أن يأتونا بشاب واحد من هؤلاء الشباب الذين تجمهروا آنذاك بعد مرور أيام على المسيرة ، يمثل رسمياً حركة 20 فبراير، أو له علاقة مباشرة بها، فكل القرائن وكل ما اطلعنا عليه عبر الصحافة، يفيد خصوصاً أولئك الذين خرقوا القانون ولم ينصرفوا بعد الإنذار القانوني واشتكوا أنهم تعرضوا للعنف، أنهم لا يربطهم بحركة الشباب الأصلية أي شيء، ولم نسمع سوى أن فلان مناضل من كذا منظمة...، و علانة مناضلة في كذا حزب يساري راديكالي ...، وفرتلان ناشط في كذا جمعية ... والذين ركبوا فوق ظهور شباب المطالب الحقيقيون.
أقول بعد هذا التدخل خرجت علينا الصحافة التي ذكرناها سابقاً، بشريط فيديو يصور عميد شرطة وهو يلقي قانونياً " إنذاراً " للمتظاهرين لكي يتفرقوا، هذا شيء طبيعي لكن ما أثار انتباهنا هو عنوانه، فمصور ورافع الشريط على اليوتوب عنونه ب " درس قانون، في الهواء الطلق " والصحافة الغير المسؤولة والجاهلة للقانون تلقفته، دون أن تعلم أن هذا الدرس كما قالوا يسمى " إنذار قانوني ". فأحد الصحفيين زيادة على عنوانه الأصلي عنونه ب " درس مجاني في القانون " وآخر في جريدة، إلكترونية طبعاً،  عنونه ب " القانون بالبراح " !!! وكلهم يتكلمون عن القانون دون أن يعرفوا ماذا يعني لهم هذا الدرس، كيف لا وهم يجهلون حتى درسهم الإبتدائي في الصحافة ويتكلمون بثقافة الإستهلاك بغرض الإنتاج دون الرغبة في بدل المجهود لمعرفة ماهية الأشياء وقانونيتها قبل نشرها. 
إن هذا الدرس يُعطَى للخارجين عن القانون ويسمى ب " الإنذار القانوني " ـ "La  sommation "، ويكون قبل أي تدخل أمني، علماً أن كل من يقوم بتظاهرة أو تجمع غير مرخص ولا يمتثل لهذا الإنذار فهو في نظر القانون : يريد إفساد الأرض والزرع وتخريب الأملاك والممتلكات الخاصة والعامة. لكن بقوة القانون رجال القوة العمومية لهم الحق باستعمال القوة بالقدر اللازم لأداء واجبهم إذا كانت هى الوسيلة الوحيدة لذلك، وقد استعملوها فعلاً بأكادير طبقاً للقوانين الجاري بها العمل.
فهذا الشريط الذي لم يفهم واضعوه ولا معنونوه ماذا يعني، ولم يستوعبوا حتى مضامينه ولا ماذا يقول العميد ومن يقصد به وأطلقوا عليه مجاناَ :  " درس قانون في الهواء الطلق " و " درس مجاني في القانون " و " القانون بالبراح " هو بكل بساطة كما قلنا " إنذار قانوني " يستعمل قبل تفريق أي تجمع أو مظاهرة غير قانونية.
فحسب الفصل 17 من قانون الحريات العامة فإن عميد الشرطة أو أي عون أخر يمثل القوة العمومية والسلطة التنفيذية ويحمل شارات وظيفته (لاحظوا عميد الشرطة في الشريط يحمل قلادة زيادة على زيه الرسمي)، يتوجه إلى مكان التجمهر، ويعلن عن وصوله بواسطة مكبر الصوت (وهذا ما نشاهده في الشريط)، ثم يوجه الأمر للمتجمهرين بفض التجمهر والإنصراف، ويتلوا العقوبات المنصوص عليها في القانون (وهذا واضح في الشريط). فإذا لم تقع الإستجابة للإنذار الأول، فإنه يوجه إنذاراً ثانياً،  فثالثاً بنفس الكيفية، ويختمه بعبارة : " إننا سنعمل على تفريق التجمهر بالقوة "، وفي حالة إبداء الإمتناع يقع تفريق المتجمهرين بالقوة، وهذا ما تم وما كان.
حقيقة أن قانون الحريات العامة، يكفل حرية التعبير وحق التجمعات العمومية والتجمهر والتظاهر وتنظيم المسيرات إلخ...، لكنه بالمقابل ينظم الضوابط اللازمة لعقد كل هذه الحريات. فقانون الحريات العامة في الفصل 11 منه واضح جداً ـ " المظاهرات " : تخضع لوجوب تصريح سابق المواكب والإستعراضات وبصفة عامة جميع المظاهرات بالطرق العمومية. ولا يسمح بتنظيم المظاهرات بالطرق العمومية إلا للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المهنية والجمعيات المصرح بها بصفة قانونية والتي قدمت لهذا الغرض التصريح السابق أعلاه. بيد أنه يعفى من هذا التصريح الخروج إلى الشوارع العمومية طبقاً للعوائد المحلية.
أما الفصل 12 فيتعلق بالتصريح وهو كما يلي : يسلم التصريح إلى السلطة الإدارية المحلية في ظرف ثلاثة أيام كاملة على الأقل، وخمسة عشر يوماً على الأكثر قبل تاريخ المظاهرة، وتسلم هذه السلطة في الحال وصلاً مختوماً بإيداع التصريح، وإذا لم يتمكن المصرحون من الحصول على الوصل فإن التصريح يوجه إلى السلطة المحلية في رسالة مضمونة مع إشعار التوصل. ويتضمن التصريح الأسماء الشخصية والعائلية للمنظمين وجنسيتهم ومحل سكناهم، وكذا أرقام بطائقهم الوطنية، ويوقع عليه ثلاثة أفراد منهم يكون محل سكناهم في العمالة أو الإقليم الذي تجري فيه المظاهرة، وتبين في التصريح الغاية من هذه المظاهرة والمكان والتاريخ والساعة المقررة لتجمع الهيئات المدعوة للمشاركة فيها وكذا الطرق المنوي المرور منها.
أما الفصل 13 فهو يعني منع هذه المظاهرات : إذا ارتأت السلطة الإدارية المحلية من شأن المظاهرة المزعم القيام بها تهديد الأمن العام فإنها تمنعها بقرار مكتوب يبلغ إلى الموقعين على التصريح بمحل سكناهم.
أما الفصول ال 14 ـ 15 ـ 16 و 20، فتتعلق بالعقوبات المتعلقة بمخالفة هذه القوانين هي ما كان يشير إليها العميد في الشريط، وأصبحت عند الجهلاء  " درس قانون في الهواء الطلق " و " درس مجاني في القانون " و " " القانون بالبراح ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق