كلام حول الدي.إس.تي D.S.T
فعالية، سرعة، ونظافة. كلمات السر التي تحكمت في عمل مديرية مراقبة التراب الوطني المعروفة اختزالاً لدى الناس ب" الدي إس تي "، منذ أن ذاع في الناس خبر حادث أركانة الإرهابي يوم الخميس ماقبل الفارط، وحتى تم الإعلان عن إلقاء القبض على المشتبه فيهم الرئيسيين في هذه العملية. كلمات سر مكنت من هذا الجهاز لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث أن يسمع عبارات ثناء واضحة فيي ديباجة وختام كلام وزير الداخلية المغربي الطيب الشرقاوي وهو يعلن النبأ.
فقد جرت العادة أن يتم الحديث عن نجاح السلطات الأمنية المغربية بصفة عامة في تفكيك خلية أو في حل لغز ما أو في التوصل إلى جناة أو مجرمين أو إرهابيين. اليوم كانت الكلمة واضحة تماماً : التنويه بجهاز بعينه والشد بحرارة على أيدي رجاله وعناصره وإيصال رسائل كثيرة إلى المغاربة لابد من استيعابها وفك شفرتها لكي نفهم الكثير من الأشياء التي تحدث حولنا اليوم. " محزمين بالرجال " لحسن الحظ، هكذا علق مصدر رفيع في الدولة متحدثاً على هامش العملية الأخيرة لأركانة، مضيفا " المغرب كاين فمفترق طرق حقيقي، بين أوربا وإفريقيا والصحراء، وكون ماكانتش بلادنا محزمة برجال حقيقيين كون مانعرف شنو وقع فيها ". الكلام يسير في الإتجاه ذاته خصوصاً، وأن هذا الجهاز كان في الآونة الأخيرة محط انتقادات صحفية فيها الصادق الحقيقي الذي يريد مصلحة الوطن وفيها المتجني الكاذب الذي يروم زرع الفقتنة والشقاق فقط بيننا. فبعد الكلام غير المسؤول الذي راج على أكثر من لسان وبطريقة جبانة للغاية لاتستطيع الذهاب حتى عمق تفكيرها عن وقوف جهة ما داخل الدولة وراء حادث أركانة لوقف عملية الإصلاح التي يشهدها بلدنا، كان ضرورياً أن يعطي هذا الجهاز بالتحديد هذا الدرس وفي هذه اللحظة تماماً. نسي من رددوا هذا الكلام أن " منطق المؤامرة " الذي حاولوا السير فيه مردود عليه بمسألة بسيطة للغاية أظهرت غباء الفكرة من أساسها، هو أن المغرب قبل أن يأتي محققون أجانب من ثلاث دول كبرى، هي أمريكا وفرنسا وإسبانيا، لكي يساهموا بدورهم في التحقيق، كان ممكناً للمغرب أن يعتبر شأن التحقيق في حادث أركانة شأناً سيادياً يهمه لوحده، وكان ممكناً أن يقفل على نفسه الباب وأن يقول " ماوقع وقع فوق أرضي، أجهزتي لديها خبرة كبيرة في الإرهاب، وسوف أتكفل بكل شيء ". لكن المغرب إختار مساراً آخر لأنه يعرف الظرفية التي نمر منها الآن، وقال للمحققين الأجانب " مرحباً بكم، تعالوا عطيونا يد الله ". هنا سقطت تلك الحكاية البئيسة أرضاً عن جزء من الدولة يخطط للقيام بما وقع في أركانة، لأن المحققين الأجانب تابعون لدول ديمقراطية تعطي للحكامة الأمنية كل الأهمية، ويعرفون أنهم متابعون بمساءلة برلمانية عن عملهم، ويعرفون أن رأياً عاماً حقيقياً في دولهم ينتظرهم، ويعرفون أن صحافة فعلية ستكتب عن أي شيء غير قانوني أو غير سليم قد يتورطون فيه هنا في المغرب. لذلك مرت العملية في نظافة، ومرت بفعالية كبرى مادامت لم تعتقل أي مواطن مغربي باستثناء الثلاثة الذين ثبت للأجهزة التحقيقية أنهم متورطون في العملية، ومرت بسرعة، إذ أن أسبوعاً واحداً هو الذي فصل بين العملية وبين إلقاء القبض على المشتبه في تورطهم فيها. هنا نفتح قوساً لابد منه في الأيام التي نمر منها الآن : مصدر مسؤول في الدولة قال لكاتب هذه الأسطر إن جزأ من تفسير ما يقع في صحافتنا هذه الأيام هو أن رجال جهاز وطني ونساءه أحسوا بأنهم " تحكٌرو أكثر من اللازم ". الإنتقاد لعمل هؤلاء يقول المسؤول إياه، مسألة مقبولة وعادية ومرحب بها، لكن تصوير الجهاز بأسره باعتباره مافيا فاسدة تسير البلد من فوق، فهذه مسألة لايمكن السكوت عنها أبداً، قبل أن يضيف " الأسماء التي وردت لمسؤولي هذا الجهاز والتشهير اليومي الذي وقع بخصوصهم نسي، أو لم يضع في حسابه أن لهؤلاء المسؤولين عائلات وصغاراً يذهبون إلى المدارس ويلتقون مع أقرانهم، ولم يضع في اعتباره أن هؤلاء المسؤولين أنفسهم يخرجون يومياً إلى الشارع رفقة عائلاتهم وأن عملية التحريض عليهم واتهامهم بإجلاس الأبرياء على القراعي وباستغلال معلوماتهم المهنية لكي يدخلوا البورصة، ولكي يبتزوا مافيات الدعارة والمخدرات بالإضافة إلى لائحة اتهامات أخرى خطيرة من شأنه تعريض حياة هؤلاء الشخصية للخطر. لذلك ينبغي أن نقرأ تنويه وزير الداخلية بعمل هذا الجهاز في هذا الإتجاه : إتجاه إعادة الإعتبار لهؤلاء الساهرين يومياً على حماية أمن وأمان هذا البلد، والذين يقومون بمهمة، ناكرة للجميل فعلاً، تنبني في الجزء الظاهر منها على جانب نبيل للغاية، إذ يشرفون على عيشنا المشترك الآمن أنا وأنت والآخرون، لكنها تنبني على جانب مظلم وظالم هو اتهامهم باستمرار بخرق حقوق الإنسان أو بممارسة سلوكات لم تعد تنتمي لمغربنا الحديث.
استمرار بعض الممارسات الفردية المعزولة للتعذيب وخرق حقوق الإنسان لدى جيل قديم من النتميين للدي.إس.تي، هنا أيضاً تجب الإشارة إلى أن لدى هذا الجهاز الآن آلية مراقبة داخلية من النوع المتقدم، ولديه اليوم مع منظومة حقوق الإنسان واحترامها التي تم ترسيخها داخل الدولة إكراهات فعلية تمنع من لم يفهم معنى كلمة " العهد الجديد "، من بين بعض مسؤولي هذا الجهاز، وهم موجودون لكنهم قلة لحسن الحظ، من التمادي في سلوكات لم يعد المغرب قمة وقاعدة يقبلها. أما أغلبية الجهاز فتشتغل داخل القانون وداخل احترامه، وحتى بعض الشهادات التي تخرج بين الفينة والأخرى من بعض المعتقلين حول تعرضهم للتعذيب (نريد أن نصدق أنها حالات إستثنائية) فتظل فردية يتعرض المتورطون فيها للعقاب الإداري شرط إثباتها مثلما وقع في حالة بوشتى الشارف الذ يرفض لحد الآن عرضه على الخبرة الطبية لإثبات الفظاعات التي قال إنه تعرض لها داخل المعتقل بل ويرفض حتى الذهاب إلى وكيل الملك، مايطرح السؤال فعلا حول صدقية بعض الشهادات بغض النظر عن طابعها الإنساني المؤثر للغاية. أعترف أن في هذا الكلام جانباً لم نعهد التطرق إليه، لأننا نغفل عادة عن التنويه ببعض المهام الجسيمة التي نعتبرها " تحصيل حاصل "، ولا نفطن إلى أهميتها إلا حين تقع الفأس في الرأس ونشعر أننا كمواطنين نحتاج فعلاً لهذه الأجهزة لكي تحمي هذا البراح المشترك الذي نحيا فيه. وأعتقد من باب إحقاق الحق أن كلمة شكر لهؤلاء وسط كثير الكلام المنتقد، إن صواباً أو خطأً لما يقومون به لن تكون أمراً سيئاً على الإطلاق، بل هي في خاتمة المطاف ستعلن إمتناننا لهؤلاء الذين يتكلفون بحماية أمن المغرب، والسهر في الظل على رصد كل التحركات التي تستهدفه، والذين يحظون في كل دول العالم بالتقدير الصامت من طرف الناس، لأن الكل يعرف قيمة مايفعلونه، والذين تلاحقهم للأسف الشديد عند الأغلبية سمعة غير طيبة على الإطلاق تستقي نفسها من طبيعة عملهم السرية التي تفرض نوعاً من الغموض الذي قد يتحول بفعل القراءـات المغرضة والظالمة إلى عوالم سرية من التعذيب والممارسات القمعية التي نريد أن نصدق فعلاً أنها أصبحت حالات إستثناء معدودة على رؤوس الأصابع في المغرب اليوم. هي كلمة شكر فقط لهذا الجهاز نعتبر أننا ملزمون بها باسم هذا المغرب الذي نحيا فيه. ولانعتقد أن أحداً غيرنا سيقولها، لأننا إبتلينا للأسف الشديد بأناس لا يؤمنون نهائياً بالحديث الشريف " من لم يشكر الناس لم يشكر الله "، وهذه مسألة عامة حلها لن يتم إلا بتربية سنوات وسنوات. من جهة أخرى يعكس التحول الحقيقي الذي جسدته عملية التحقيق في عملية أركانة اختلافاً كبيراً عما تم فعله بعد حوادث السادس عشر من ماي 2003، حيث يسجل كل المتتبعين اليوم أن تطوراً نوعياً حقيقياً شمل عمل هذا الجهاز، ومكنه من أن يستفيد من كثير من الإنتقادات الحقيقية التي وجهت إليه بعد 2003، حيث سقطت نهائياً تلك الأسطورة التي كانت تقيم المقارنة بين المغرب وإسبانيا وتقول باستمرار إن إسبانيا بعد أحداث الإرهاب التي ضربتها لم تعتقل إلا عدداً قليلاً من المعتقلين على خلفية تلك الأحداث، في حين بلغ عدد من اعتقلوا بعد 16 ماي بالمغرب مايفوق الستة آلاف. اليوم لم يعتقل أي شخص بعد مقتل سبعة عشر شخصاً بريئاً في حادثة أركانة الإرهابية. إعتقل المشتبه فيهم الثلاثة وضمنهم من قدمته المصادر الأمنية باعتباره المنفذ الرئيسي للعملية كلها، وهو ماينبغي التنويه به، ورصده تماماً مثلما تم الوقوف عند العدد الكبير لمعتقلي مابعد 16 ماي. ولكي نذهب أبعد في هذا الحديث يمكننا اليوم القول باطمئنان، أن عملية تحديث الجهاز المشرف على أمن المغاربة ورصد تحركات من يستهدفونهم، هي عملية تسير في الإتجاه السليم.
جيل جديد من العاملين في هذه المؤسسة يشتغلون بالأنترنيت، ووفق القواعد العلمية الحديثة لمهنتهم، ويتحدثون أكثر من لغة، ويعدون في مجال اشتغالهم نماذج مشرفة للغاية، تم الإستفادة من خبراتها في العالم بأسره. ولعله سيكون حسناً لو حاولنا جهد الإمكان تغيير طريقة رؤيتنا لهذا الجهاز ولاشتغاله وللعوالم المحيطة به، إذ لاينبغي أن ننسى أنه يحظى في كل دول العالم المتحضر باحترام المواطنين الصامت وتقديرهم، لعلمهم بأهميته، بل حيويته لبلدانهم وأهميتها. ويبقى التساؤل الأساس الذي ينبغي أن يطرحه أي مغربي خائف على بلده بخصوص مايتعرض له هذا الجهاز في بلدنا : هل هي انتقادات صادقة تروم إصلاح بعض الهفوات والخروقات التي تقع داخل هذا الجهاز ؟، أم تراه الإستهداف الذي يضع نصب عينيه الإجهاز على مكون قوي من مكونات أمن هذا البلد وطمأنينة ناسه ؟، لنا السؤال، وللآخرين البحث عن الجواب، كل في الجهة التي تريحه وتروقه، ويعتقدها مسايرة لهواه فعلا.
جيل جديد من العاملين في هذه المؤسسة يشتغلون بالأنترنيت، ووفق القواعد العلمية الحديثة لمهنتهم، ويتحدثون أكثر من لغة، ويعدون في مجال اشتغالهم نماذج مشرفة للغاية، تم الإستفادة من خبراتها في العالم بأسره. ولعله سيكون حسناً لو حاولنا جهد الإمكان تغيير طريقة رؤيتنا لهذا الجهاز ولاشتغاله وللعوالم المحيطة به، إذ لاينبغي أن ننسى أنه يحظى في كل دول العالم المتحضر باحترام المواطنين الصامت وتقديرهم، لعلمهم بأهميته، بل حيويته لبلدانهم وأهميتها. ويبقى التساؤل الأساس الذي ينبغي أن يطرحه أي مغربي خائف على بلده بخصوص مايتعرض له هذا الجهاز في بلدنا : هل هي انتقادات صادقة تروم إصلاح بعض الهفوات والخروقات التي تقع داخل هذا الجهاز ؟، أم تراه الإستهداف الذي يضع نصب عينيه الإجهاز على مكون قوي من مكونات أمن هذا البلد وطمأنينة ناسه ؟، لنا السؤال، وللآخرين البحث عن الجواب، كل في الجهة التي تريحه وتروقه، ويعتقدها مسايرة لهواه فعلا.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق : المبادرات الفردية والجماعية التي اجتاحت مراكش بعد الحادث الإرهابي، وفي مقدمتها مبادرة صورة من أجل مراكش، ومبادرة عصير برتقال لمراكش، وغيرها من الحركات الإنسانية اللافتة للإنتباه، تعيد لنا الأمل أن ماوقع منذ حوالي العشرة أيام في الأركانة فعلا حادث معزول، وأن إرادة الحياة لدى المغاربة أقوى بكثير من كل هذا الهراء. مسيرة أمس أيضاً التي انتصرت لصوت المغرب المنفتح كانت رسالة أخرى لكل من يهمهم أمر هذا البلد، وأيضاً لكل مستهدفيه، بأن القافلة تمر وأن لانباح يمكن أن يوقفها.
المختار الغزيوي



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق